[b]قدمت جمعية مسرح الأكواريوم بتعاون مع السفارة الأمريكية بالمغرب مساء يوم الخميس 12 فبراير بقاعة باحنيني بالرباط عرضا مسرحيا تحت عنوان "الحر بالغمزة". مسرحية الحر بالغمزة مسرحية مغربية هادفة من إخراج نعيمة زيطان، نص محمد الحر، سينوغرافيا طارق ربح، تشخيص : مريم الزعيمي، جليلة تلامسي، نورية إبراهيم، عادل أبا التراب، عادل الوشكي.
تعالج مسرحية "الحر بالغمزة" في مضمونها لظاهرة مجتمعية لا مبالغة إن وصفناها بالشديدة الخطورة. إنها ظاهرة الرشوة التي باتت ظاهرة متفشية بعمق بين أوساط المجتمع المغربي و ظلت ولازالت تنخر في جسد كل مكوناته و تؤثر سلبا على تنميته الاقتصادية و الاجتماعية... و دون شك أنها تمس بسمعة الوطن الأخلاقية و الثقافية... فمن المسؤول الأول و المباشر على تفشي هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة ؟ هل الجهات الرسمية المسؤولة المتمثلة في مرتبة أولى في الإدارة المغربية أم المواطن الذي مافتئ جزءا لا يتجزأ من المنظومة التي تتحمل مسؤولية انتشار ظاهرة الرشوة في المجتمع ؟
هذا ما تجسده مسرحية 'الحر بالغمزة" في قالب كوميدي ساخر يتناول نماذج و صور متعددة لشخصيات انطباعية من المجتمع المغربي.
"الحر بالغمزة"، بهذا العنوان الإيحائي و الدال، تتلخص المسرحية بداية من شخصية كريمة لحلو الفتاة الشابة النزيهة التي أتت في أول يوم لها إلى مقر وظيفتها لتباشر عملها كوكيلة جلالة الملك، فتصطدم في بداية الأمر بالشاوش "مدهون" الذي يعاملها بحيف و ابتزاز محاولا استدراجها لتدفع له مبلغ رشوة معتقدا أنها مواطنة عادية جاءت لقضاء مصلحة ما. تصطدم كريمة لحلو بعدد من ملفات المواطنين المعلقة و التي كانت الرشوة سببا في تعطيل حقوقهم أو تعجيلها لفائدة من هم أكثر قوة بالسلطة و المال. و بأسلوب إخراجي و تعبيري بسيط و جميل يشاهد المتفرج على خشبة المسرح كل حالة على حدى، تارة بمشاهد فكاهية و تارة بمشاهد جادة، كحالة الأم التي تعرضت ابنتها لعضة عقرب و تضطر لدفع رشاوى لعدد من المسؤولين الإداريين من أجل أن تتمكن من اقتناء سيارة إسعاف لنقل ابنتها المصابة إلى المستشفى.
خلاصة هذه المسرحية دعوى للجميع للتجند و تكثيف الجهود للقضاء على ظاهرة الرشوة التي تفكك المجتمع و تؤدي به إلى الهلاك الحقيقي و تشل ديناميته و تقدمه بجره إلى الوراء. فللأسف الشديد أخذت ظاهرة الرشوة في الإنتشار عبر عقود و أصبح لا يسلم منها أي قطاع من القطاعات و أي مجال من المجالات، فبالرغم من أن المشرع المغربي يجرمها و يعاقب عليها كجريمة أخلاقية تمس بالآداب العامة فقد اكتسبت بعدا آخر بتحولها من مجرد سلوك إلى ثقافة سادت كالفطر في المجتمع. و عليه، كان على جميع فئات هذا المجتمع (مؤسسات، نظم، سلطات، أفراد، مجتمع مدني...)، تحمل مسؤولية محاربة هذه الظاهرة و القضاء عليها.
و في ندوة صحفية عقدها فريق عمل مسرحية 'الحر بالغمزة" بعد نهاية العرض بحضور السفير الأمريكي بالرباط و وزيرة الأسرة و التضامن نزهة الصقلي، كانت إحدى أسئلة المتدخلين عن ما هو سبب اختيار الفرقة لموضوع ظاهرة الرشوة لتقديمه فوق خشبة المسرح، فكان رد أحد عناصر فريق عمل المسرحية على أن الرشوة قضية تفرض نفسها و باتت آفة متفشية في المجتمع، فكان من الطبيعي معالجتها و تقديمها للجمهور في عرض مسرحي. و في كلمة لمخرجة المسرحية نعيمة زيطان، أكدت أن جمعية مسرح الأكواريوم تفضل الاعتماد على دعم جهات رسمية محلية و أجنبية و منظمات و جمعيات مدنية مختلفة لتقديمهم عروضهم المسرحية على نهج أسلوب بيع التذاكر المعمول به عند باقي الفرق المسرحية الإحترافية الأخرى. و ذلك لضمان نسبة حضور و مشاهدة أكثر و تعميم الفائدة و الفرجة.
جمعية مسرح الأكواريوم من التجارب الرائدة في المغرب التي تستحق التنويه و المزيد من التشجيع و الاهتمام، فقد اعتادت فرقة مسرح الأكواريوم أن تختار نصوصها و مواضيعها بدقة التي تستنبطها من عمق الواقع المغربي المعاش. و تبقى الجمعية منفتحة على الآخر و مقبلة على الكل و لا تمانع في تلقي دعمها من جهات مختلفة مادام الهدف في النهاية هو ثقافي و اجتماعي و فني بامتياز، فالإشارة هنا إلى ضعف الدعم الثقافي و المسرحي على المستوى الوطني. الأكيد أن فرقة مسرح الأكواريوم و مثيلاتها من الفرق المسرحية الفنية ترفع تحدي كبير و تضع رهانات أكبر لضمان استمراريتها و نجاحها في وقت نشهد فيه تراجع دور المسرح في المجتمع المغربي منذ سنوات لأسباب معروفة. و لعل تجربة مسرح الأكواريوم تضع بصمتها في استعادة أوج و لمعان المسرح كأب للفنون جميعها.